لماذا يجب أن يتعلم الأطفال البرمجة؟
أدى تحويل المعلومات إلى صيغة رقمية في جميع أنحاء العالم (عملية «الرقمنة») إلى زيادة الإنتاجية في القطاعين العام والخاص، مما دفع كثيراً من الدول إلى التوجه نحو الاقتصاد الرقمي. مع التطور المستمر الذي يشهده هذا القطاع، تبرز الحاجة إلى مهارات خاصة مثل برمجة الحاسوب. تشبه البرمجة لغة أرقام، تعرف باسم «الكود»، تتيح لمستخدميها كتابة تعليمات تنفذها أجهزة الحاسوب. الهدف منها هو إنشاء صفحات الويب والصور والبرمجيات.
ظهرت أولى لغات البرمجة في أربعينيات القرن الماضي. كانت هذه اللغات بسيطة وصعبة التعلم وتحتاج إلى إلمام متقدم بالرياضيات. لكن بحلول التسعينيات -عندما بدأت الجامعات والشركات والأفراد باستخدام الإنترنت- تحسنت سرعة الحوسبة، وكذلك ذاكرة الحواسيب، مما سمح باستخدام لغات برمجة أكثر تعقيداً. أصبحت هذه اللغات متوفرة على منصات مفتوحة المصدر وظهرت دروس تعليمية على الإنترنت؛ مكّنت العديد من الأشخاص من تعلم لغات البرمجة ومن مواصلة تطويرها حتى تغدو أبسط.
اليوم يمكن للأطفال أن يتعلموا بسهولة لغة برمجة مثل الجافا سكريبت.
لا مفر من التكنولوجيا الرقمية، إذ تستخدم في مجالات متنوعة مثل تجهيزات المستشفيات والتعليم عن بُعد، وتسويق القطع الفنية الإبداعية، وتحسين الإنتاجية الزراعية. تُطور لغات البرمجة البرمجيات التي بإمكانها التعامل بفعالية مع مشكلات وتحديات ناشئة مختلفة. على سبيل المثال، يمكن الآن للأشخاص الذين لم يكن بمقدورهم فتح حساب مصرفي الاحتفاظ بأموالهم وإرسالها، والاقتراض باستخدام الهواتف المحمولة، وكل هذا بفضل البرمجة. هذه المهارة في غاية الأهمية مع التطور الحاصل في جميع أنحاء العالم.
شرعت دراسات عدة في العقود الأربعة الماضية في تقييم أثر تعلم البرمجة على أطفال المدارس الابتدائية، الذين تتراوح أعمارهم عادة بين 6 سنوات و 13 سنة. أظهرت نتائج هذه الدراسات أن الأطفال يستفيدون بشدة من تعلم هذه المهارة، بصرف النظر عن المسار المهني الذي يختارونه.
لغات البرمجة
البرمجة مجرد لغة أخرى، ومن المعروف أن الأطفال يتعلمون لغات جديدة أسرع من كبار السن، لذا فإن البدء بتعلمها في سن مبكرة فكرة سديدة. طورت عدة دول -مثل أستراليا وفنلندا وإيطاليا وإنجلترا- مناهج دراسية لتعليم البرمجة للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 5 سنوات و 16 سنة.
تعتمد لغات البرمجة على الصفر (0) والواحد (1)، وتمثل سلاسل من هذه الأرقام حروفاً أبجدية. بعد ذلك، تترجم هذه السلاسل إلى كلمات وجمل تعطي الحاسوب أو المعالج تعليمات لتنفيذ مهام محددة. يتجلى هذا، على سبيل المثال، حين تقوم بطباعة صورة أو فتح مستند محفوظ على الحاسوب أو تشغيل الموسيقى.
تعتمد لغات البرمجة على الصفر (0) والواحد (1)، وتمثل سلاسل من هذه الأرقام حروفاً أبجدية. بعد ذلك، تترجم هذه السلاسل إلى كلمات وجمل تعطي الحاسوب أو المعالج تعليمات لتنفيذ مهام محددة. يتجلى هذا، على سبيل المثال، حين تقوم بطباعة صورة أو فتح مستند محفوظ على الحاسوب أو تشغيل الموسيقى.
ثمة العديد من لغات البرمجة، بعضها حتى الأطفال بمقدورهم تعلمها لأنها سهلة الفهم والاستخدام. طورت لغات برمجة مرئية مثل سكراتش، لتمكين الأطفال من تعلم البرمجة باستخدام الصور والإشارات والرسوم البيانية. من بين لغات البرمجة الأخرى التي يمكن للأطفال استخدامها «بايثون» و«روبي» و«غو». يمكن استخدام معظم هذه اللغات لكتابة سلسلة من الأوامر أو لتطوير تطبيقات الويب.
مزايا البرمجة
إلى جانب إعدادهم لأعمال المستقبل، ومقارنةً بالعلوم الأخرى التي تعتمد على الأرقام، يمكن أن يعزز تعلم البرمجة قدرات الأطفال الإبداعية. على سبيل المثال، يعتمد تدريس الرياضيات في أفريقيا بشكلٍ كبير على التلقين، وهي طريقة عفا عليها الزمن، وتسهم في تثبيط إبداع الأطفال. يقوم التلقين على حفظ المعلومات وتكرارها، تماما مثل الببغاء. تُظهر أبحاث عدة أن التلقين طريقة غير فعالة لأن المتعلم نادراً ما يفهم كيفية تطبيق ما تعلمه.
في المقابل، تساعد البرمجة على اكتساب مهارة التفكير المنطقي لأنها تتطلب إيجاد حلول لتحديات محددة. يتعلم الأطفال تقييم التحديات التي يواجهونها من زوايا مختلفة والتوصل إلى حلول مبتكرة، ويمكنهم أيضاً اختبار تلك الحلول، وإذا لم تفلح، حاولوا اكتشاف مصادر الخلل. كذلك، اقترحت دراسات أخرى أن تعلم البرمجة يعزز التعاون والتواصل، وهي المهارات الأساسية لوظائف المستقبل.
إتاحة تعلم البرمجة
الاتصال بشبكة الإنترنت وحيازة أجهزة رقمية -مثل أجهزة الحاسوب والهواتف الذكية- عناصر أساسية لتعلم البرمجة، لذلك فالحصول عليها والقدرة على تحمل تكاليفها أمر ضروري. لهذا يتعين على الحكومات الاستثمار في تقنيات النطاق العريض، بحيث يمكن نقل كميات كبيرة من البيانات بسرعاتٍ عالية، وينبغي أن يقدموا أيضاً إعانات، أو أن يفرضوا على الأقل ضرائب منخفضة على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، حتى يتمكن المزيد من الأطفال من تعلم البرمجة في المنزل أو في المدرسة.
اتخذت العديد من البلدان الإفريقية، مثل كينيا وإثيوبيا وغانا ورواندا، خطوات لإصلاح قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وزيادة قدرة النطاق العريض. تدرك الحكومة الكينية الحاجة المتزايدة لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وقد شرعت بالفعل في إدراج تعلم تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في المناهج الدراسية. أطلقت الحكومة كذلك برنامجاً طموحاً لمحو الأمية الرقمية، من شأنه أن يدخل شبكات النطاق العريض إلى المدارس ويحاول إدماج التكنولوجيا في عملية التعلم.
لكن قد يستغرق الأمر بعض الوقت لتزويد البلد بأكمله بهذه التكنولوجيا، وحتى تتوفر موارد كافية لإدخالها إلى جميع المدارس. ذلك أن ثمة تحديات جوهرية تواجه العديد من البلدان الأفريقية، حتى أكثرها تطوراً مثل كينيا، نذكر منها، على سبيل المثال، الافتقار إلى البنى التحتية، مثل الكهرباء، وضعف الموارد وغياب أجهزة الكمبيوتر وقلة المعلمين المتمكنين من استخدام التكنولوجيا.
لحسن الحظ ثمة طرق عديدة يمكن للأطفال من خلالها تعلم البرمجة، تشمل برامج تعلم مكثف ومعسكرات للبرمجة والأنشطة الإضافية. في كينيا، ثمة مقررات مستقلة لتعليم البرمجة، تتألف من وحدات حسب مستويات الأطفال. هناك أيضاً أدوات تعلم مجانية عديدة عبر الإنترنت يمكن للأطفال استخدامها مثل «أوبن كورس وير»، «كود أكاديمي».
لم تعد البرمجة حكراً على علماء الحاسوب، إذ تحتاج إليها المهن كلها. ومثل المواد التعليمية الأخرى، من الأفضل البدء بتعلمها في سن مبكرة.
المصدر : العلوم للعموم